القيادة النسوية: لاتنحصر في تحقيق التوازن بين الجنسين

منذ أكثر من مائة سنة أصبح للمرأة يوم عالمي، تتحد فيه كل النساء رغم اختلاف جنسياتهن وأعراقهن وثقافاتهن، ورغم أن

منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني هذا اليوم رسميا إلا منذ 40 سنة، إلا أن المسيرة النضالية النسائية انطلقت

في مطلع القرن العشرين في  الولايات المتحدة الأمريكية، لتحذو دول أوروبا حذوها قبل أن يصبح 8 مارس يوما دوليا تشهد

فيه كل دول العالم فعاليات مختلفة، هدفها تقدير النساء،والاحتفال بالإنجازات التي حققتها المرأة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، كما تتسابق كل الدول لتحقيق أعلى المؤشرات فيما يخص قضايا إدماج المرأة في كافة السياسات العامة،وتمكين النساء على كل المستويات،وتوسيع مشاركتهن في الحياة العامة وكذا القضاء على أي صور للتمييز ضدها.

 موعدنا سنة 2133 لتحقيق التكافؤ:

لا أحد ينكر التحولات التي عرفتها مجتمعاتنا نتيجة الإصلاحات التي تبنتها الاستراتيجيات الوطنية عالميا وإقليميا للنهوض بأوضاع نصف المجتمع، وبنظرة إيجابية لايسعنا إلا القول إننا قطعنا أشواطا مهمة في مسيرة تقليص الفجوة بين حقوق الجنسين خاصة على مستوى التعليم والصحة

وفرص دخول سوق العمل بكل مجالاته. إلا أن آخر الدراسات عن فجوة الأجور بين الجنسين كانت جد سلبية ،حسب تقرير

المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بسد الفجوة بين الجنسين لعام 2015 الذي أوضح أنه بالرغم من دخول ما يزيد على ربع

مليار امرأة أخرى لسوق العمل منذ 2006 لم يتم سد سوى 4% من الفجوة بين الرجال والنساء في القطاعات الصحية

والتعليمية وإتاحة الفرص الاقتصادية والتمثيل السياسي في غضون السنوات العشر الماضية. ومن النواحي الاقتصادية فقد سدت الفجوة بنسبة 3% الاستمرار على نفس الوثيرة ، حسب نفس التقرير, يعني أن سد فجوة الأجور بين الذكور والإناث  سيستغرق 118 سنة،رقم محبط

فعلا خاصة أن توقعات السنة الماضية كانت أقل ب37 سنة حسب تفس التقرير ، في الحالتين يظل تحقيق الهدف المنشود

مستقبلا بعيدا لن ننعم كأبناء هذا الجيل ولا حتى أحفادنا بالاحتفال به. 

الطريق الوعر إلى القمة: 

تزداد الفجوة اتساعا على مستوى المناصب القيادية  ،فرغم التقدم التي أحرزته المرأة على المستوى التعليمي حيث تؤكد معظم التقارير على

تفوق الإناث في جل الأحيان أكاديميا بل هناك هيمنة على مقاعد الجامعات والتعليم العالي في عدة بلدان ،ورغم تمكن أعداد

كبيرة من النساء من تحطيم السقف الزجاجي واعتلاء وظائف و مناصب ريادية، كانت حكرا على  الرجال إلى ماض جد قريب،

لازالت  النساء تمثل في قطاع الإدارة أقل من 4% من المديرين التنفيذيين الذين يديرون 500 شركة كبرى في العالم ،

ولا زالت كل التقارير تشهد بضآلة نسبة النساء في “مواقع اتخاذ القرار” في المراكز الإدارية، كلما صعدنا في سلم

هرم المؤسسات بكل أشكالها: الاستشارية والتنفيذية، العامة والخاصة، التمثيلية والمعينة وفي مجالات أنشطة المجتمع كافة.  

إن قضية النساء والقيادة تعدت مسألة المناصفة وضمان حقوق من يمثلن نصف أو أكثرمن نصف المجتمع، أوالاستجابة لمطالب النساء وتحقيق

هدف من أجل الاحتفال به في المحافل الدولية، بل أصبحت مسألة إدماج العنصر النسوي في القيادة القرار الصائب الذي فرضته

المتغيرات الاقتصادية والتحولات الإدارية في مجال إدارة الأعمال بل من الضروريات لتحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية المستدامة.

وبالأرقام  كشفت مؤخرا دراسة من معهد ماكنزي أن خلق تكافؤالفرص بين الجنسين يمكن أن يرفع الناتج القومي المحلي إلى

اثني عشر تريليون دولار أمريكي بحلول سنة 2025، وذلك باعتبارالسيناريو الأقل طموحا الذي يفترض لو كل دولة ضاهت الدولة الأكثر

تقدما في المجال في منطقتها ،وتزيد التوقعات إلى  إمكانية زيادة الناتج المحلي القومي العالمي إلى أكثر من الضعف أي

بمبلغ ثمانية وعشرين دولارا أمريكيا في نفس المدة باحتمال السيناريو الأمثل لتكافؤ الفرص على كل المستويات بين الجنسين.

قائد امرأة أم قيادة أنثوية؟

 منذ بداية نشاطي في مجال تطوير المهارات القيادية وقبل ذلك عندما عملت في القطاع الخاص والحكومي في مجالات مختلفة، كان

لي دائما اهتمام خاص بموضوع القيادات النسوية، حضرت العشرات من المنتديات والمؤتمرات،وتابعت عن قرب نتائج دراسات عالمية وتقارير حول الموضوع، وقرأت معظم الكتب المشهورة التي تطرقت لهذه المسألة، وظلت نفس الملاحظة تسيطر على تفكيري: لماذا يرغب الكل في إدماج

العنصر النسوي  في المناصب القيادية إذا كانت على معظم النساء التي تنجح في تحقيق ذلك تبني النموذج “الذكوري” في القيادة؟

كيف نحقق التنوع الإداري والتوازن إذن فقط بتوظيف أوإعطاء الفرصة لامرأة إذا كانت ستتصرف بنقس أسلوب زميلها الرجل؟

تغيرت الرؤية في ذهني عن التنوع المنشود في القيادة، لم يعد السؤال محصورا في:

كيف نزيد من عدد الإناث في مجالس الإدارة ومناصب اتخاذ القرار؟” وإنما”

كيف نعزز المهارات والسمات القيادية الأثوية على مستوى مجالس الإدارة؟” ليس تنوعا بين الجنسين وإنما موازنة بين السمات والمهارات القيادية الذكورية والأنثوية التي لاترتبط دائما بجنس القائد.

القيادة النسوية في ابداع الأعمال

حسب مسح أجراه Ketchum Leadership Communication Monitor مع 6500 شخص حول العالم عن سمات القيادة في مجالات مختلفة شملت إدارة الأعمال، والسياسة،والمؤسسات غير الربحية والحكومية، تفوقت النساء القياديات على الذكور في خمسة من أصل سبعة مؤشرات القيادة، منها فن التواصل والحوار، والقيادة  بالقدوة،والاعتراف بالخطأ،وتحفيز الآخرين. كما أضافت الدراسة أن النساء القياديات تمتعن بالشفافية،والتشبت بالقيم، وأيضا مطابقة الأقوال والأفعال، صفات يحبذها الموظفون والشركاء على حدا.

مرة أخرى أؤكد أننا عندما نتكلم عن هاته الصفات القيادية النسوية فإننا لانحصرها في جنس الإناث، يمكن لقائد ذكر التمتع بها

فقط نشير أنها توجد بالفطرة لدى معظم النساء ويسهل عليهن التحلي بها.

كماأبانت دراسة أخرى ، حسب كتاب Athena Doctrine  “المستقبل بيد النساء والرجال الذين يفكرون مثلهم”، شملت 64000 شخصا، عن تصاعد عدم الرضا من القيم والسمات القيادية التي تعتبر في المفهوم العام “ذكورية” ويؤكد الكتاب في تحليله أن السمات والقيم الأنثوية

ستكون مرغوبة أكثر في المستقبل وتشكل الحل للعديد من المشاكل والتحديات في مجالات الأعمال والإنسانية.

ومع ذلك لازالت بيئة العمل تحبذ نمط الذكورة في القيادة، لارتكازها على النظام الأبوي الذي لازال  يطغى على ثقافة المؤسسات

والقيم والمعتقدات مما يفرض على العديد من السيدات ضرورة التأقلم مع النموذج القيادي السائدوالذي تدفع بعض السيدات ثمنا غاليا حيث

تضطررن لفقدان هويتهن صحيا ونفسيا،ممايفسر لماذا تختار العديد من السيدات ترك وظائف مرموقة بعدوصولهن لمناصب عليا ويفضلن خوض تجربة ريادة الأعمال وإطلاق مشاريع صغيرة عوض متابعة السباق نحو القمة الذي يتطلب منهن أن يتكيفن مع نموذج قيادي يتنافى إلى

حد ما مع قيمهن الأنثوية.

كيف تتميز القيادية النسوية العربية؟

رغم أن المنطقة العربية لازالت تصنف ضمن الأقل في العالم في مجال مشاركة المرأة في صنع القرار ،ولازالت تعاني فيها

النساء من انعدام المساواة في الفرص الوظيفية، يمكننا الجزم أننا حققنا إنجازات يشهد لها عالميا على كل المستويات ولازالت سقوف

الطموحات ترتفع كل سنة، محفزة بالتغييرات التي تحرص قيادات معظم الدول العربية على القيام بها من أجل مواكبة مسيرة النهوض

بوضعية المرأة وتعزيز دورها في المجتمع، وإسهامها في تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعي.

 تتمتع المرأة العربية بمهارات قيادية أنثوية فطرية تتماشى مع الاتجاه الجديد الذي أكدته كل الدراسات الأخيرة عن السمات والخصائص القيادية

المحبذة للقرن الواحد والعشرين،والتي من شأنها ‘تحقيق تنمية مستدامة،وبيئة آمنة وإيجابية. كيف يمكن للمؤسسات إذن تنمية هذه القدرات الفطرية الأنثوية وصقلها لتصبح قابلة للإدماج في أماكن العمل واتخاذ القرار؟ 

تكاثف المبادرات الوطنية عبر العالم العربي لتطوير القيادة النسوية وخلق فرص على أعلى المستويات مثل  إنشاء مجلس التوازن بين الجنسين

في دولة  الإمارات العربية المتحدة السنة الماضية  الذي يعمل بهدف تقليص الفجوة بين الرجل والمرأة في قطاعات الدولة كافة، كما

يعتبر التركيز على إدماج الجنسين لتحمل هذه المسؤولية والإيمان بأن  مسألة تكافؤ الجنسين ليست مشكلة النساء فقط بل مشكلة المجتمع

بأكمله، ونشر التوعية منذ سن مبكر لتغيير التفكيرالسائد  فيمايخص ارتباط السمات القيادية بالذكور، مع الحرص على  تطويربرامج تدريب القيادة وبرامج التوجيه أو الإرشاد تتماشى مع تعلم وتطبيق السمات والخصائص القياديةالنسوية الفطرية المذكورة سابقا،من أجل بناء أجيال من قائدات التغيير والمتصالحات مع هويتهن الأنثوية، وهذا مانركز عليه في برامجنا التدريبية القيادية مثل برنامج “رائدات المستقبل” الخاص بتنمية القدرات القيادية النسائية، وكذا برنامج “الرابط” للتوجيه والإرشاد النسائي.

 كل هاته الجهود من شأنها تسريع تقليص الفجوة بين الذكوروالإناث وخلق فرص لتمكين المؤسسات الخاصة والحكومية بمهارات قيادية نسوية تضمن لها مستقبلا زاهرا ومشرقا.

https://www.state.gov/bureaus-offices/secretary-of-state/office-of-global-womens-issues أقرا عن :

 https://sustain-leadership.com/strategic-leadership-in-uncertain-times/ مقالات أخرى:

Posted By:
Eva
Category:
Share Post:

Lets Talk